سورة النساء - تفسير نيل المرام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


الآية الأولى:
{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا (3)}.
وجه ارتباط الجزاء بالشرط أن الرجل كان يكفل اليتيمة لكونه وليا لها ويريد أن يتزوجها فلا يقسط لها في مهرها: أي لا يعدل فيه ولا يعطيها ما يعطيها غيره من الأزواج، فنهاهم اللّه أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى ما هو لهنّ من الصداق وأمروا أن ينكحوا {ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ} سواهنّ. فهذا سبب نزول الآية. فهو نهي يخص هذه الصورة.
وقال جماعة من السلف: إن هذه الآية ناسخة لما كان في الجاهلية وفي أوّل الإسلام من أن للرجل أن يتزوج من الحرائر ما شاء، فقصرهم بهذه الآية على أربع، فيكون وجه ارتباط الجزاء بالشرط أنهم إذا خافوا أن لا يقسطوا في اليتامى فكذلك يخافون ألا يقسطوا في النساء لأنهم كانوا يتحرجون في اليتامى ولا يتحرجون في النساء. والخوف من الأضداد فإن المخوف منه قد يكون معلوما، وقد يكون مظنونا ولهذا اختلف الأئمة في معناه في الآية: فقال أبو عبيد: خفتم بمعنى أيقنتم.
وقال آخرون: خفتم بمعنى ظننتم.
قال ابن عطية: والمعنى: من غلب على ظنه التقصير في العدل لليتيمة فليتركها وينكح غيرها و{ما} في قوله: {ما طابَ} موصولة. فالمعنى: فانكحوا النوع الطيب من النساء: أي الحلال وما حرمه اللّه فليس بطيب.
وقيل: {ما} هنا ظرفية أي ما دمتم مستحسنين للنكاح وضعفه ابن عطية، وقال الفراء: مصدرية، قال النحاس: وهذا بعيد جدا.
وقد اتفق أهل العلم على أن هذا الشرط المذكور في الآية لا مفهوم له وأنه يجوز لمن لم يخف أن يقسط في اليتامى أن ينكح أكثر من واحدة، و{مِنَ} في قوله: {مِنَ النِّساءِ} إما بيانية أو تبعيضية، لأن المراد غير اليتامى.
{مَثْنى} أي اثنتين اثنتين.
{وَثُلاثَ} أي ثلاثا ثلاثا.
{وَرُباعَ} أي أربعا أربعا.
وقد استدل بالآية على تحريم ما زاد على الأربع وبينوا ذلك بأنه خطاب لجميع الأمة وأن كل ناكح له أن يختار ما أراد من هذا العدد، كما يقال لجماعة: اقتسموا هذا المال وهو ألف درهم، أو هذا المال الذي في البدرة درهمين درهمين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة، وهذا مسلم إذا كان المقسوم قد ذكرت جملته أو عين مكانه.
أما لو كان مطلقا كما يقال: أقسموا الدراهم ويراد به ما كسبوه فليس المعنى هكذا. والآية من الباب الآخر لا من الباب الأول. على أن من قال لقوم يقتسمون مالا معينا كثيرا اقتسموه مثنى مثنى وثلاث ورباع فقسموا بعضه بينهم درهمين درهمين وبعضه ثلاثة ثلاثة وبعضه أربعة أربعة كان هذا هو المعنى العربي.
ومعلوم أنه إذا قال القائل: جاءني القوم ثلاث ورباع. والخطاب للجميع بمنزلة الخطاب لكل فرد فرد كما في قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]، {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ} [البقرة: 43]، ونحوها.
فقوله: {فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ}: لينكح كل فرد منكم ما طاب له من النساء إثنتين اثنتين، وثلاثا ثلاثا، وأربعا أربعا هذا ما تقتضيه لغة العرب فالآية تدل على خلاف ما استدلوا به عليه. ويؤيد هذا قوله تعالى في آخر الآية: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً} فإنه وإن كان خطابا للجميع فهو بمنزلة الخطاب لكل فرد فرد، فالأولى أن يستدل على تحريم الزيادة على الأربع بالسنة لا بالقرآن.
وأما استدلال من استدل بالآية على جواز نكاح التسع باعتبار الواو الجامعة وكأنه قال: انكحوا مجموع هذا العدد المذكور فهذا جهل بالمعنى العربي! ولو قال: انكحوا اثنتين وثلاثا وأربعا لكان هذا القول له وجه. وأما مع المجيء بصيغة العدل فلا وإنما جاء سبحانه بالواو الجامعة دون أو لأن التخيير يشعر بأنه لا يجوز إلا أحد الأعداد المذكورة دون غيره وذلك ليس بمراد من النظم القرآني.
{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً}: أي فانكحوا واحدة، كما يدل على ذلك قوله: {فَانْكِحُوا ما طابَ}.
وقيل التقدير: فالزموا أو فاختاروا واحدة، والأول أولى. والمعنى فإن خفتم ألا تعدلوا بين الزوجات في القسم ونحوه فانكحوا واحدة، وفيه المنع من الزيادة على الواحدة لمن خاف ذلك.
{أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} من السراري وإن كثر عددهنّ كما يفيده الموصول إذ ليس لهنّ من الحقوق ما للزوجات الحرائر.
والمراد نكاحهن بطرق الملك لا بطريق النكاح.
وفيه دليل على أن لا حق للمملوكات في القسم كما يدل على ذلك جعله قسيما للواحدة في الأمن من عدم العدل، وإسناد الملك إلى اليمين لكونها المباشرة لقبض الأموال وإقباضها ولسائر الأمور التي تنسب إلى الشخص في الغالب {ذلِكَ} أي نكاح الأربع أو الواحدة أو التسري فقط {أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا (3)}: أي أقرب إلى أن تجوروا: من عال الرجل يعول إذا مال وجار.
والمعنى إن خفتم عدم العدل بين الزوجات فهذه التي أمرتم بها أقرب إلى عدم الجور.
وهو قول أكثر المفسرين. وقال الشافعي: {أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا (3)} أي لا يكثر عيالكم.
قال الثعلبي: وما قال هذا غيره!! وذكر ابن العربي أنه يقال أعال الرجل إذا كثر عياله وأما عال بمعنى كثر فلا يصلح. ويجاب عنه بأنه قد سبق الشافعي إلى القول به زيد بن أسلم وجابر بن زيد وهما إمامان من أئمة المسلمين لا يفسران القرآن هما والإمام الشافعي بما لا وجه له في العربية. وقد حكاه القرطبي عن الكسائي وأبي عمرو الدوري وابن الأعرابي. وقال أبو حاتم كان الشافعي أعلم بلغة العرب منا ولعله لغة.
قال الدوري: هي لغة حمير وأنشد:
وإن الموت يأخذ كل حيّ *** بلا شك وإن أمشى وعالا
أي وإن كثرت ماشيته وعياله.


الآية الثانية:
{وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (5)}.
اختلف أهل العلم في هؤلاء السفهاء من هم؟ فقال سعيد بن جبير: هم اليتامى لا تؤتوهم أموالهم قال النحاس: وهذا من أحسن ما قيل في الآية.
وقال مالك: هم الأولاد الصغار: أي لا تعطوهم أموالكم فيفسدوها ويبقوا بلا شيء.
وقال مجاهد: هم النساء.
قال النحاس وغيره: وهذا القول لا يصح إنما تقول العرب: سفائه أو سفيهات.
واختلفوا في وجه إضافة الأموال إلى المخاطبين وهي للسفهاء فقيل: أضافها إليهم لأنها بأيديهم وهم الناظرون فيها وقيل: لأنها من جنس أموالهم، بأن الأموال جعلت مشتركة بين الخلق في الأصل.
وقيل: المراد أموال المخاطبين حقيقة. وبه قال أبو موسى الأشعري وابن عباس والحسن وقتادة. والمراد النهي عن دفعها إلى من لا يحسن تدبيرها كالنساء والصبيان ومن هو ضعيف الإدراك لا يهتدي إلى وجوه النفع التي تصلح المال ولا يتجنب وجوه الضرر التي تهلكه وتذهب به.
{وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ} أي: اجعلوا لهم فيها رزقا وافرضوا لهم. وهذا فيمن يلزم نفقته وكسوته من الزوجات والأولاد ونحوهم. وأما على قول من قال إن الأموال هي أموال اليتامى، فالمعنى: اتجروا فيها حتى تربحوا وتنفقوهم من الأرباح واجعلوا لهم من أموالهم رزقا ينفقونه على أنفسهم ويكسون به.
وقد استدل بهذه الآية على جواز الحجر على السفهاء، وبه قال الجمهور.
وقال أبو حنيفة: لا يحجر على من بلغ عاقلا واستدل بها أيضا على وجوب نفقة القرابة. والخلاف في ذلك معروف في مواطنه.


الآية الثالثة:
{وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (6)}.
الابتلاء: الاختبار. واختلفوا في معنى الاختبار فقيل: هو أن يتأمل الوصي أخلاق يتيمه ليعلم بنجابته وحسن تصرفه فيدفع إليه ماله إذا بلغ النكاح وأنس منه الرشد.
وقيل: أن يدفع إليه شيئا من ماله ويأمره بالتصرف فيه حتى يعلم حقيقة حاله.
وقيل: أن يرد النظر إليه في نفقة الدار ليعلم كيف تدبيره. وإن كانت جارية رد إليها ما يرد إلى ربة البيت من تدبير بيتها. {حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ} المراد بلوغ الحلم لقوله تعالى: {وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} [النور: 59]. ومن علامات البلوغ الإنبات وبلوغ خمس عشرة سنة.
وقال مالك وأبو حنيفة وغيرهما: لا يحكم لمن لا يحتلم بالبلوغ إلا بعد مضي سبع عشرة سنة.
وهذه العلامات تعم الذكر والأنثى، وتختص الأنثى بالحبل والحيض.
{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً} أي أبصرتم ورأيتم. ومنه قوله: {آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً} [القصص: 29].
وقيل: هو هنا بمعنى علم ووجد.
والرّشد: بضم الراء وسكون الشين، والرشد بفتح الراء والشين قيل: هما لغتان.
واختلف أهل العلم في معنى الرشد هاهنا فقيل: الصلاح في العقل والدين، وقيل: في العقل خاصة.
قال سعيد بن جبير والشعبي: إنه لا يدفع إلى اليتيم ماله إذا لم يؤنس رشده وإن كان شيخا قال الضحاك: وإن بلغ مائة سنة!!.
وجمهور العلماء على أن الرشد لا يكون إلا بعد البلوغ وعلى أنه إن لم يرشد بعد بلوغ الحلم لا يزول عنه الحجر.
وقال أبو حنيفة: لا يحجر على الحر البالغ وإن كان أفسق الناس وأشدهم تبذيرا وبه قال النخعي وزفر.
وظاهر النظم القرآني أنها لا تدفع إليهم أموالهم إلا بعد بلوغ غاية هي بلوغ النكاح- مقيدة هذه الغاية بإيناس الرشد- فلابد من مجموع الأمرين فلا تدفع إلى اليتامى أموالهم قبل البلوغ، وإن كانوا معروفين بالرشد ولا بعد البلوغ إلا بعد إيناس الرشد منهم.
والمراد بالرشد نوعه وهو المتعلق بحسن التصرف في أمواله وعدم التبذير بها ووضعها في مواضعها.
{فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ} من غير تأخير إلى حد البلوغ.
{وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا} الإسراف في اللغة: الإفراط ومجاوزة الحد.
وقال النضر بن شميل: السرف التبذير.
والبدار: المبادرة، أي لا تأكلوا أموال اليتامى أكل إسراف وأكل مبادرة لكبرهم، أو لا تأكلوا لأجل السرف والمبادرة، أو مسرفين ومبادرين لكبرهم وتقولوا: ننفق أموال اليتامى فيما نشتهي قبل أن يبلغوا فينتزعوها من أيدينا.
{وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} بين سبحانه ما يحل لهم من أموال اليتامى، فأمر الغني بالاستعفاف وتوفير مال الصبي عليه وعدم تناوله منه وسوغ للفقير أن يأكل بالمعروف.
واختلف أهل العلم في الأكل بالمعروف ما هو؟ فقال قوم: هو القرض إذا احتاج إليه ويقضي متى أيسر اللّه عليه وبه قال عمر بن الخطاب وابن عباس وعبيدة السلماني وابن جبير والشعبي ومجاهد وأبو العالية والأوزاعي.
وقال النخعي وعطاء والحسن وقتادة: لا قضاء على الفقير فيما يأكل بالمعروف وبه قال جمهور الفقهاء، وهذا بالنظم القرآني ألصق فإن إباحة الأكل للفقير مشعرة بجواز ذلك له من غير قرض.
والمراد بالمعروف: المتعارف به بين الناس فلا يترفه بأموال اليتامى ويبالغ في التنعم بالمأكول والمشروب والملبوس ولا يدع نفسه عن سد الفاقة وستر العورة.
والخطاب في هذه الآية لأولياء الأيتام القائمين بما يصلحهم كالأب والجدّ ووصيهما. وقال بعض أهل العلم: المراد بالآية اليتيم إن كان غنيا وسّع عليه، وإن كان فقيرا كان الإنفاق عليه بقدر ما يحصل له، وهذا القول في غاية السقوط.
{فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} أنهم قد قبضوها منكم لتندفع عنكم التهم، وتأمنوا الدعاوى الصادرة منهم.
وقيل: إن الإشهاد المشروع هو على ما أنفقه عليهم الأولياء قبل رشدهم، وقيل: هو على رد ما استقرضه إلى أموالهم.
وظاهر النظم القرآني مشروعية الإشهاد على ما دفع إليهم من أموالهم وهو يعمّ الإنفاق قبل الرشد والدفع للجميع إليهم بعد الرشد. وفي سورة الأنعام: {وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ}، وفي الإسراء مثلها.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8